إلى فتحي بن حاج يحيي
طموحات جيل لن نخذله
استطاع كتاب "الحبس كذاب والحي يروح" لفتحي بن الحاج يحيي أن يوقظ فينا بعض نعرات حنين إلى ماض لم نعش أطواره ماديا ولكننا تعايشنا معه روحيا وتحسسنا دقائق تفاصيله في أحلامنا اللذيذة التي شكلنا معالمها وفصّلنا زواياها دون أن ندرك واقعيا حقيقة أطوار تلك الحقبة.. ماي 68، برسبكتيف، النشاط السري، ماركس ولينين وبقية الشلة، بورقيبة وعاشور وبن صالح وبقية الفريق.. كلها مفردات نزعنا عنها دلالاتها اللغوية والاصطلاحية والسيميائية المعلومة وغرقنا في بيئتها الغرائبية المراوحة بين الوضوح حد الشفافية والغموض حد الإبهام.. تراكيب جعلنا منها أيقونات رُفعت إلى مقامات على وتبوأت مكانة الآلهة..
لفيف من المناضلين التونسيين من بينهم فتحي الحاج يحيي غرسوا مسمارا لا يٌقتلع في تاريخ البلاد.. ولم تستطع كل الأيادي العابثة طمسه أو إخفاءه.. فكانت أمنيتنا أن نحيا أيامهم ولياليهم.. أن نقاسي لوعتهم وان نستمتع بانتصاراتهم.. كنا نتخيل أنفسنا ونحن نقارع النظام "البرجوازي" و"الموالي للغرب" و"الرجعي"، ونحن نعتقد بشكل أعمي أن مجتمعنا لن يخذلنا "عشية الثورة" عندها ستتحقق قيمتا العدالة والمساواة بين جميع "المسحوقين" والمضطهدين" وضحايا "الاستغلال" والاستلاب"..
كنا نغلق أعيننا لنحاكي بضع اللحظات الموغلة في الروعة حين نعود من "جبهة النضال" ضد النظام بعد أن كلنا له ما حفظناه على ظهر قلب من خطب فوق مدارج "جامعة حمراء" وسيارات "البوب" تلاحق كل من بدا على ملامحه هيئة "مارق عن مجتمع" أو من في "قلبه مرض"، لنسترق بعض قبلات حميمية وصافية مثل نقاوة الأحلام الثورية التي كنتم تدافعون عنها.
وسقط جيلكم بالضربة القاضية.. وتأسفنا لضياع تراث نجزم أننا من سلالته مهما كانت جذورنا العائلية أو الاجتماعية.. إرثكم تهافت بسرقة البرق على وتيرة انهيار الحجر الأخير من جدار برلين.. غير أن الأحلام تبقى وردية دائما وأبدا.. ومن نكباتكم وسقطاتكم ننهل نجاحاتنا.. ورغم صعوبة الدرب فإن خطاكم التي قطعتموها لن تُمحى ولن تضمحل.. من آلامكم وأوجاعكم سنواصل مسيرتكم.