vendredi 22 mai 2009

فكرة العودة الى أرض الوطن غير مطــروحــة


فكرة العودة الى أرض الوطن غير مطــروحــة

الاحد 10 أيار (مايو) 2009

تحقيق: سفيان الشورابي

يطرح كل مسؤول أوروبي رفيع المستوى لدى زيارته الى تونس ملف الهجرة كموضوع أساسي لمحادثاته مع الطرف الحكومي التونسي، وتشتغل مراكز البحوث وتنشط الأحزاب والجمعيات الأوروبية بكثافة حول هذا الملف، وتتعدد زوايا النظر والتحليل، وبقدرما يشغل بال جميع تلك الاطراف مسألة حماية حدودها من تدفق وفود المهاجرين بأعداد كبيرة تفوق طاقة استيعابها وما تحتاجه مجتمعاتها، بقدر ما تعمل على ايجاد الآليات والصيغ الممكنة لادماج الوافدين حسب النظرة الى دولهم والرؤى السياسية للماسكين بالحكم فيها.

وعلاقة التونسي بالهجرة تعود الى فترة الاستعمار الفرنسي حيث هاجر عدد من المواطنين بحثا عن العمل في أوروبا، حيث شهدت الفترة الفاصلة بين سنتي 1945 و1974 هجرة الآلاف من التونسيين الى البلدان الأوروبية وخصوصا الى فرنسا بشكل كبير، حيث بلغ عدد التونسيين المقيمين في فرنسا على سبيل المثال سنة 1974. 139700 تونسيا استفادوا من سياسة الحكومة الفرنسية المشجعة آنذاك على قدوم الأجانب قصد جبر الاضرار الناجمعة عن الحرب العالمية الثانية واعادة بناء اقتصادها المنهار مستفيدا من عشريات الازدهار الاقتصادي الذي ميز تلك الحقبة.

وباعلان طرف الحكومة الفرنسية عن اغلاق الحدود وفرض شروط متشددة قبل قبول المهاجرين، تقلص عدد المهاجرين الى فرنسا ولم يتجاوز عددهم مائتي ألف مقيم، وبتتالي الأجيال المقيمة في البلدان الأوروبية وتزامنا مع التشدد المفرط الذي أصبح السمة المشتركة للخطاب الحكومي الغربي، وفي ظل انعدام مواطن الشغل وارتفاع معدل البطالة في تونس وعدم توفر الحلول المناسبة لها، أصبحت الأساليب والقنوات المخالفة للقوانين وللطرق الشرعية هي السبيل الى الهجرة، وقد ارتفع عدد المهاجرين التونسيين ولم تحل الاجراءات الصارمة للحد منها واتفاقيات التعاون التونسية مع عدد من الدول الاوروبية في هذا المجال دون تواصل الهجرة السرية.

تأقلم واندماج

وبصرف النظر عن المسببات التي تدفع بالتونسيين لترك بلدهم والبحث عن العيش في دول أجنبية، وقد سبق لـ"الطريق الجديد" أن نشرت دراسة حول هذا الموضوع ونظمت مائدة مستديرة بالتعاون مع قناة "الحوار التونسي" الفضائية حول الموضوع، فإن جانبا آخر لا يقل أهمية ويتمثل في درجة تأقلم التونسيين في بلدان الاقامة من جهة، ومقدار ارتباطهم ببلدهم الأصلي والتفكير في العودة اليها والاستقرار فيها.

"الطريق الجديد" استجوبت عددا من التونسيين المقيمين بالمهجر حول واقعهم المعيشي بعيدا عن البلاد ومدى ارتباطهم بها؟ فكان التحقيق التالي.

أشتاق الى البلاد

ألفة الجامي .30 سنة. مقيمة منذ سنة بالكويت، وقبل ذلك عاشت في تركيا وتنقلت بين عدد من الدول الأخرى، ذكرت أنها لا تستطيع تحمل الغياب كثيرا عن تونس وقالت "كل صباح هنا في الكويت، أنهض في ساعة مبكرة وأفتح نافذة غرفتي كما اعتدت أن أفعل في تونس، حركة أقوم بها لا إراديا، غير أنه في كل يوم اصطدم بأنني لست في تونس" وتعرضت الى اشتياقها الى أصدقائها وأقرانها في تونس، والحنان الكبير الذي تكنه الي هذا البلد. بعض الجزئيات والتفاصيل الحياتية تحدث فوارق كبيرة تعكس ما للوطن من مميزات يستحيل وجودها في بلدان اخرى مهما بلغت من تقدم ونمو.

الجامي أعربت عن تشوقها الى ما قد يميز بلدها بما في ذلك الجوانب السلبية، لم تخف ألمها من سوء الحال التي وصلت اليه وقالت "الكل في بلدي يذكرني بأنني لا استطيع العيش الا وأنا ألهث وراء مصير غير معلوم، أبحث عن فرص عمل أفضل ولا أجدها والسن لا يسمح لي بطرق أبواب مصير عواقبه غير معلومة".

غياب الإحاطة

محمد الكعبي المقيم في الامارات العربية المتحدة قال أن تونس "تفرغ دوريا من طاقاتها الشبابية جراء انعدام فرص تشغيل لائقة فيها". وأضاف أنه بالرغم من تواضع عدد الجالية التونسية المقيمة بالبلدان الخليجية نتيجة عدم اجادتهم للغة الانقليزية، فإن معرفتهم بمتطلبات السوق الخليجية الثرية بالفرص الجيدة للعمل، فإن عدد التونسيين الراغبين في الاقامة بتلك المناطق في تزايد مطرد خلال السنوات القليلة الماضية وتحدث الكعبي عن العلاقات الاجتماعية التي تربط المهاجرين المقيمين في دولة الامارات وقال "إن أهم ما ألاحظه هو ضعف التواصل بيننا في دبي على عكس جاليات أخرى، حيث يمكنك أن تجد النادي الاجتماعي المصري والسوداني والايراني.. لكنه لا يوجد أي فضاء لتجمع والتقاء التونسيين، كما أنه لا يوجد تنسيق أو مراكز الاستقبال والاحاطة بالمهاجرين عند حلولهم بدبي".

واستشهد الكعبي في هذا السياق بحادثة وقعت مؤخرا حيث قال "على سبيل المثال شارك الشاعر التونسي خالد الوغلاني في برنامج أمير الشعراء ولم نسمع به الا بصفة متأخرة. ولم ألحظ أي دعم خاصة من الجالية المقيمة في الامارات، كما خصص مهرجان دبي العالمي للشعر ليلة للاحتفاء بمائوية الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي دون أن يعلم التونسيون المقيمون هنا بهذا الموعد"

وبديهي أن يطرح أكثر من تساؤل حول حقيقة تعدد الهياكل الادارية التابعة لديوان التونسيين بالخارج وغيرها من المؤسسات التي تدعي تعدد انشطته في رعاية مهاجرينا وابقاء قنوات التواصل بينهم وبين بلدهم مفتوحة؟

لا تفكير في العودة

هيفاء الدرويش الباحثة المقيمة في فرنسا أكدت أنها منذ خمس سنوات لم تجد صعوبة تذكر في الاندماج في مجتمعها والانصهار في بيئتها الجديدة، وفي المقابل لم تخف شدة تعلقها بتونس التي تزورها بين الفينة والاخرى للقاء الأهل الا أنها أكدت أنها تفضل العيش في فرنسا نظرا لوضعية الرفاهية الاجتماعية التي وجدتها هناك.

هذا التفكير ذهب اليه عدد من التونسيين المهاجرين الاخرين الذين أعربوا عن اعجابهم بالتقدم الاجتماعي والحرية السياسية في بلدان اقامتهم والتي تدفعهم لنزع فكرة العودة الى الوطن نهائيا والاقامة فيها من جديد.

بسام بوقرة المقيم بالولايات المتحدة الامريكية منذ سنة 2001 ذكر من جهته أنه لم يجد صعوبة في تغيير نمط حياته والتأقلم سريعا في مجتمعه الجديد حيث وجد نفسه يعيش في وضع أفضل بكثير من ذلك الذي كان يعيشه في تونس وقال أنه منذ أن هاجر الى أمريكا لم يزر تونس سوى مرتين نتيجة لما عاشه من مصاعب وعراقيل جمة في المناسبتين. الأكيد أنه لا يمكن اطلاق مثل هذه الاحكام والانطباعات على جميع التونسيين المقيمين بدول المهجر الا أن ما نلاحظه هو أن الحنين الذي من المفروض أن يربط المهاجرين ببلدهم ويشدهم اليها، يتقلص بوتيرة سريعة، وهذا الأمر يدعو الأطراف المسؤولة الى البحث عن الأسباب التي أدت الى فتور العلاقة بالوطن، ودراسة الأوضاع القائمة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، دراسة عميقة وتوفير الظروف المناسبة التي تجعل المهاجر يجد نفس الظروف التي وجدها في بلد الإقامة.